حكم زكاة الأسهم ( غير المتعثرة ) .
الزكاة هي أحد أركان الإٍسلام الخمسة ، وهي – في الأصل – واجبة بكتاب الله تعالى ، وسنة رسوله ، وإجماع أمته ، كما قاله ابن قدامة – رحمه الله – في المغني [7] ومن الصور المالية المعاصرة : ما يسمى بالأسهم التجارية والأسهم الاستثمارية ، والمتمثلة في شركات الأسهم أو الشركات المساهمة ، وهي طريقة حديثة في الاستثمار والتجارة جاد بها التقدم العلمي في هذا العصر .
وقد اتفق العلماء المعاصرون على وجوب الزكاة في هذه الأسهم ، إما في أصلها ، أو في ريعها ، واختلفوا في كيفية زكاتها ، وأرجح الأقوال ، وأقربها إلى الصواب ، هو التمييز بين المساهمات التجارية والمساهمات الاستثمارية ، فالأولى حكمها حكم زكاة عروض التجارة ، ثم التمييز في المساهمات الاستثمارية بين ما هو زراعي فيأخذ حكم زكاة الخارج من الأرض ، وما هو حيواني فيأخذ حكم زكاة الحيوان ، وهكذا ... وتفصيل ذلك على النحو الآتي :
مالك الأسهم لا يخلو من حالين :
الأول : أن يكون قصده في تملك الأسهم التجارة بها بيعاً وشراءً، وهي ما تسمى بالأسهم التجارية ، فيشتريها اليوم لبيعها غداً أو بعد غدٍ ، طلباً للربح في تداولها وتقلييبها ، فهذا تجب الزكاة عليه في جميع ما يملكه من أسهم ، سواء أكانت الأسهم زراعية أم صناعية ، أم تجارية ، أم حيوانية .. إلخ ، فيزكي أسهمه بحسب قيمتها السوقية كل سنة .
الثاني : أن يكون قصد مالك الأسهم الاستثمار بها ، أي أن يستفيد من عائدها السنوي ، وهي ما يسمى بالأسهم الاستثمارية ، فهو لا يشترى هذا الأسهم بنية بيعها ، وإنما بقصد الاستمرار في تملكها ، فهذا يزكي أسهمه بحسب طبيعتها ، فإن كانت أسهماً في شركة زراعية ، ومجالها الاستثماري في زراعة الحبوب والثمار ، فتخضع لأحكام الزكاة فيما تخرجه الأرض من الحبوب والثمار مما يكال ويدخر ، وإن كانت في شركة حيوانية كتربية الأنعام على سبيل الإنتاج والتسمين ، فتخضع لأحكام زكاة الحيوان ، وإن كانت في شركة تجارية تختص بتداول السلع بيعاً وشراءً كشركات الاستيراد ، فتخضع لأحكام زكاة عروض التجارة ، وإن كانت في شركة صناعية ، كشركات الإسمنت والجبس والأدوية ونحوها ، فتجب الزكاة في صافي أرباحها ، قياساً على زكاة ما يعد للكراء ، وهذا القول المفصّل هو الذي تجتمع به أدلة الزكاة ، وبه يرتبط الحكم بمناطه الذي ناط به الشارع وجوب الزكاة ، وبه يزول التناقض والاضطراب الذي لحق ببعض الآراء المعاصرة .
وإلى هذا القول ذهب الشيخ عبد الله بن منيع [8] – حفظه الله – وغيرُه، وفي هذه المسألة أقوال أخرى ، ليس هذا التمهيد محل بسطها [9]
الفصل الأول - حقيقة الأسهم المتعثرة
وفيه ثلاثة مباحث : المبحث الأول - واقع الأسهم المتعثرة
في عصرنا الحاضر ، كثرت الشركات المساهمة وانتشرت ، وتنوعت أغراضها وتعددت ـ وأقبل عليها الأغنياء ومتوسطو الحال ، بل ربما محدودو الدخل – بأموال حصلوا عليها بطريق القرض أو التقسيط – كل ذلك ؛ لأجل تحصيل ما تجود به الأسهم من أرباح ، دون مزيد عناء أو مشقة .
ولم يقف الأمر عند هذا الحد ، بل ظهرت شركات أخرى غير مرخصة ، وهي ما تسمى بشركات توظيف الأموال ، تقوم بتحصيل الأموال من أربابها ، ثم تقوم بتوظيفها - أو تدعى ذلك أحياناً - في مشاريع عقارية أو غيرها ، وربما أغرت الناس بأرباح مرتفعة ، ليس لها مثيل في السوق المحلي ، فيقبل عليها الناس ، زرافات ووحدانا ، وغالباً ما يقع تعثر الأسهم في مثل هذا النوع من الشركات ، لأنها لا تخضع لنظام قانوني ولا محاسبي ، فيكثر فيها التلاعب بأموال الناس دون رقيب ، فربما تم تحصيل الأموال لغرض المساهمة في عقارٍ ما ، أو لأجل بيع وشراء سلعة ما ، ثم يتم توظيفها لهذا أو لأغراض أخرى بل ربما كان بعض هذه الأموال هدفاً لأسلوب تدوير المال ، أو لما يسمى بالتسويق الشبكي [10] ، أو غير ذلك ، ولا ينكشف الأمر إلا بعد إيقاف ضخ الأموال المساهمة إلى هذه الشركة ، أو بعد تجميدها من الجهة الرسمية ، وعند ذلك يظهر العجز ويقع التعثر ، ولا يعلم المساهم بمقدار هذا التعثر الذي لحق بماله ، ولا بمدى إمكان الحصول على رأس المال أو لا .
ومن صور التعثر التي يكثر وقوعها في هذا العصر ، ما يقوم به مجموعة من أرباب المال ، من المساهمة في أرض عقارية – مثلاً – وبعد شراء العقار الخام لغرض المتاجرة فيه ، يظهر خصم يدّعي استحقاقه لهذه الأرض أو لهذا العقار ، فتبدأ الخصومة في الجهة المختصة ، وربما استمرت سنين عديدة ، فتتعثر المساهمة ، لا يتمكن أربابها من استرجاع المال ولا جزء منه ، حتى تنتهي الخصومة ، وهكذا ... في مسلسل طويل من الصور .
فإذا تعثرت هذه الأسهم ، ولم يتمكن المساهم من استرداد رأس ماله ولا جزء منه مدة سنة أو أكثر ، وكان هذا المال مما تجب فيه الزكاة في الأصل ، فإنه يشكل على كثير من المساهمين مدى وجوب الزكاة في هذه الأسهم المتعثرة .
المبحث الثاني - أسباب تعثر الأسهم
مما تقدم ، يتبين أن لتعثر الأسهم أسباباً عديدةً ، منها :
أولاً : توظيف الأموال في جهات مشبوهة لا يعلم به المساهم ، كتوظيفها في مجال التسويق الهرمي ، ونحو ذلك ، وهذا يؤدي في كثير من الأحيان إلى تعثر مفاجئ ، لا يعرف سببه .
ثانياً : تجميد حسابات الشركة من قبل الجهات الرسمية ، إما لأسباب غير قانونية وقعت فيها تلك الشركة ، وإما لتظلم بعض المساهمين لدى الجهة المختصة ضد القائمين على تلك المساهمات بسبب تأخر صرف الأرباح ، أو عدم التمكن من استرداد رأس المال لأسباب غير معروفة لديهم .
ثالثاً : ظهور خصومة في بعض المساهمات العقارية – مثلاً - ، وهذا مما يستدعي إيقاف العمل في تلك المساهمة ، حتى تفصل الجهة القضائية لصالح المساهمين ، أو لصالح المخاصمين ، في ذلك العقار